أكثر من قرن مرّ على انهيار الإمبراطورية العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، وما زال الإرث العثماني يحتاج لإعادة نظر جديدة تناسب عصرنا المختلف كثيرا عن عوالم العثمانيين الذين تركوا بدورهم دروسا ملهمة يمكن أن تفيد واقعنا ومستقبلنا خاصة في مجتمعاتنا “التعددية” المعاصرة.
تحاول المؤرخة والأكاديمية والمستعربة البريطانية ديانا دارك (1956) المختصة بتاريخ الشرق الأوسط والثقافات الإسلامية مناقشة هذه الدروس في كتابها الجديد “العثمانيون: إرث ثقافي”، وهي المعروفة بكتاباتها التي تستكشف التأثير الكبير للعمارة الإسلامية على الطراز القوطي في أوروبا والتاريخ السوري الحديث والتفاعل الحضاري المتبادل بين الإسلام وأوروبا.
وترى دارك أن هذه الإمبراطورية التي دامت 6 قرون وشملت 3 قارات -أوروبا وآسيا وأفريقيا- تمثل بوتقة جمعت شعوبا متنوعة. وكأي إمبراطورية كبرى، كان لها نصيبها من الإنجازات والمآسي، وهو ما يجعل تقييمها موضوعا مركبا مشحونا بالتناقضات.
ولفهم إرث العثمانيين فهما دقيقا، لا بد من وضعه في السياق العالمي، وليس ذلك بالأمر السهل، لا سيما أن تركيا الحديثة، الوريثة للإمبراطورية العثمانية، تتبنى موقفا متأرجحا بين الحب والكره، التواصل والقطيعة، تجاه ماضيها العثماني، كما تقول المؤلفة التي اشترت في 2005 منزل فناء يعود للقرن الـ17 في دمشق وكتبت عنه كتابها “منزلي في دمشق: رؤية من الداخل لأزمة سوريا”.
لكن من الخطأ إسقاط مصطلحاتنا المعاصرة على أحداث الماضي؛ فتعبيرات مثل “النير التركي” أو “التعددية الثقافية” تحمل دلالات معاصرة لا تساعدنا في فهم سياق العثمانيين التاريخي؛ فالتعبير الأول ارتبط بصعود الحركة القومية في القرن التاسع عشر بينما يحمل الثاني معاني مستمدة من مفاهيم القرن الحادي والعشرين.