إن المتأمل في تماهي ثلة من الممثلين الشبان وإبداعها في تقمص شخصيات الأعمال الدرامية الملفتة للانتباه، وخاصة “رقوج” لعبد الحميد بوشناق -نظرا لتبنيه العديد من ممثلي المسرح- يلاحظ تميزا عمن سواهم من الممثلين الذين لم يخوضوا تجارب هامة على خشبات المسارح..
ذلك أن سر تميزهم يرجع بالأساس إلى المخزون الفني background في مجال الفن الرابع وعمق درايتهم بادوات التمثيل والقدرة الهائلة على التقمص والمحاكاة.. وهو ما تبين للمشاهد من خلال الادوار المركبة في “رقوج”.. أدوار أتقنها أبناء “التياترو” وخريجو المسرح العالي للمسرح بشكل لم نواكبه منذ زمن بعيد في الدراما التونسية أو في الفنتازيا الاجتماعية..
وبما أن الممثل عامة يجب أن يكون ممثلا متكاملا مبدعا في التراجيديا كما الكوميديا، لم تخن بعض الوجوه الشابة المشاركة في “رقوج” تلك المعادلة الصعبة على غرار الممثل حسام الغريبي في دور “العيفة” وغيره من الممثلين الذين أقنعوا وأضافوا الكثير للعمل من حيث القيمة الفنية وتوظيف الرسائل المبطنة.
حضور المسرحيين في “رقوج” كان ذا وقع خاص على المستوى الابداعي والعلاقة الاستثنائية مع المشاهد من خلال الصدق والعبقرية في إيصال خلفيات الشخصية ونوازعها النفسية.. لا سيما دور “العيفة” الذي تقمصه حسام الغريبي باتقان شديد، رغم أنه لم ينطق ببنت شفة الى الٱن، لأن الشخصية اقتضت قص لسانه مما جعل الدور مركبا عميقا مثيرا وعميقا لدرجة أنه يشعرك بالاشمئزاز والتعاطف في ٱن واحد وهذه “الخيمياء” بين المتفرج والمبدع لا يمكن أن تتحقق إلا إذا غاص الممثل في أغوار الشخصية وتمكن من كل تفاصيلها، وهو ما لاحظناه في دور “العيفة”.. ومن باب الجدية وفي إطار الاستعداد للتماهي مع “العيفة” زار الممثل حسام الغريبي قبل عملية التقمص طبيب اسنان وطبيب حنجرة وانف للتساؤل والوقوف عند عملية النطق لمن فقد لسانه! .. إذ ليس من السهل أن تكون مؤثرا في فنتازيا اجتماعية وفي أطوار الأحداث دون نطق واللعب على الحركة gestuelle فقط..
علما وأن الممثل المسرحي ليست المرة الأولى التي استنجد فيها باخصائيين أو بمن يمثلون حالات اجتماعية خاصة قبل اعتلائه خشبة المسرح